الرد على الشيخ محمود شلتوت في مقصد الإسلام


الوسوسة السادسة والأربعون في مقصد الاسلام، والرد عليه

بقلم: العلامة الشيخ عبد الله بن علي بن يابس المتوفى سنة (1389هـ/1969م)

في الرد على شيخ الأزهر محمود شلتوت، المتوفى سنة  (1383 هـ/1963م)

قال في (ص440): «فما كان الإسلام إلا دينًا يراد به تدبير مصالح العباد، وتحقيق العدالة، وحفظ الحقوق، ولم يأتِ ليهدم كل ما كان عليه الناس؛ ليؤسس على [أساسه]([1]) بناء جديدًا»([2]).

وجوابه من وجوه:

الأول: زعمه أن الإسلام لم يأتِ ليهدم كل ما كان عليه الناس في الجاهلية؛ ليؤسس على أساسه بناء جديدًا، وهذا منه جهل أو تجاهل بحالة أهل الأرض قبل مجيء الإسلام، فإنهم كانوا في حالة أخلاقية واجتماعية وعقائدية فوضوية في كل شيء؛ فالقوي يأكل الضعيف، والعصبية والجور والأنانية هي السائدة في المجتمعات الفاسدة، والأحكام بالقوانين الفاسدة والعرف الظالم.

فكانت الأرض كلها في ظلام الجهل الدامس، والكفر والطغيان المزري، قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم عربَهم وعجمَهم إلا بقايا من أهل الكتاب»([3])، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة]، فهل الشيخ شَلْتوت لا يرضى أن يكون الإسلام جاء ليهدم أركان الضلال الواضح المبين؟

ويكفيك أن الناس قبل البعثة النبوية كانت تسمى حالتهم ونظامهم بالجاهلية، فلا شك أن الإسلام جاء ليهدم الجاهلية، أُسُسَها ونظامَها، وليرفع من الإسلام ومن أسسه ونظامه بناء قويًا مُشْمَخِرًّا، تتحصن به النفوس، وتهتدي به القلوب.

الوجه الثاني: أن الإسلام لم يأتِ لغرض بناء الحياة الدنيا وإشادتها فحسب، وإنما جاء أولاً وبالذات ليعرف الناس بعبادة الله وحده لا شريك له، آمرًا بتلك العبادة، ناهيًا عمَّا يفسدها، هذا هو الغرض الأسمى من مجيء الإسلام.

ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات]، فهذه الآية تعرف الناس الغرض المراد من خلق الجن والإنس، وأنه عبادة الله وحده، وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)} [إبراهيم]، فهذه الآية تبين بيانًا واضحًا أن الكتاب نزل لإخراج الناس من ظلمات الجاهلية ونُظُمها وأخلاقها وعاداتها إلى نور الإسلام، وذلك بأمر الله؛ ليسيروا على الصراط المستقيم، وهو الدين الحق.

وقال تعالى بعد أن عدَّدَ نعمه على عباده في سورة «النحل» ذاكرًا لهم بأنه أنعم عليهم تلك النعم التي هي الإيجاد من العدم، ونعمة السمع، والبصر، وبَيَّن لهم آياته، وجعل لهم من جلود الأنعام بيوتًا يحملونهما في [الظعن]([4]) والإقامة، وجعل لهم من أشعارها وأوبارها أثاثًا ومتاعًا، وخلق لهم الظلال والأكنان، وسرابيل واقية من البرد والحر، وأخرى واقية من البأس، وبعد ذكر هذه النعم قال: {كَذَلِكَ} [النحل:81] أوجدكم وأسبغ عليكم هذه النعم {لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل:81]، فأخبر أن جميع نعم الله التي أنعم بها على عباده إنما بعثها إليهم لينقادوا لدينه، ويتبعوا أوامره.

أما الشيخ، فيزعم أن الإسلام إنما جاء لتدبير مصالح الدنيا لا غير، ولم يأتِ ليهدم ما قبله من الجاهلية، ليبني على أساسه بناء محكمًا، وإذا كانت عبادة الله وحده لا شريك له، واتباع أوامره، واجتناب نواهيه التي هي دينه لا تتم إلا بالعدل وحفظ الحقوق لهذا، فقد جاء الإسلام بشريعة تكفل جميع المصالح الدنيوية والدينية، لمن اتبع هدي هذا الدين، حتى يعبد الله على بصيرة وفي طمأنينة، أما القول بأن الإسلام جاء لإصلاح الدنيا أولاً وبالذات دون الآخرة، ودون أن يحمل الناس على عبادة الله وحده واتباع أوامر دينه، فهذا باطل من القول، والقول به تلبيس.

من كتاب: «إعلام الأنام لمخالفة شيخ الأزهر شلتوت للإسلام»، للشيخ ابن يابس، ضمن «مجموع مؤلفات ومراسلات وأشعار الشيخ عبد الله بن علي ابن يابس رحمه الله»، أشرف عليه عبد الله بن محمد بن عبد الله اليابس، نشر دار التوحيد، الطبعة الأولى لسنة 1438 – 2017، (1/178 - 181).


[1]) في «الإسلام عقيدة وشريعة»: «أنقاضه».

[2]) «الإسلام عقيدة وشريعة» لمحمود شَلْتوت (ص482).

[3]) أخرجه مسلم (2/ رقم:2865)، من حديث عياض بن حِمَار.

[4]) هذا هو الصواب، وفي المطبوع: «الضعن».

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©