حكمة التشريع



حكمة التشريع:

يقول ابن فارس (ت: 395) في مادة «حكم»: «الحاء والكاف والميم أصل واحد، وهو المنع. وأول ذلك: الحُكْم، وهو المنع من الظُّلم. وسمِّيتْ حَكَمَة الدابة لأنها تمنعُها، يقال: حَكَمْتُ الدابةَ وأحْكَمْتُها. ويقال: حكَمْتُ السفيهَ وأحكمتُه؛ إذا أخذتُ على يديه.

قال جريرٌ:

أبَني حَنيفةَ أحْكِمُوا سُفهاءَكم          إنِّي أخافُ عليكم أنْ أَغضَبا

والحِكمةُ هذا قياسها، لأنَّها تمنع من الجهل. وتقول: حكَّمْت فلانًا تحكيمًا منعته عمَّا يريد»([1]).

هذا أصل اشتقاق «الحكمة»، وقد وردت في مواضع كثيرة في القرآن والسنة، ولها معان عديدة بحسب استعمالها، والمقصود بها في بحثنا هذا ما عليه اصطلاح الأصوليين، وقد عرَّفوا الحكمة بأنها: «المقصود من شرع الحكم»([2])، وهي: «الداعي ـ في الحقيقة ـ إلى شرع الحكم»([3])، وقد يعبَّر عنها بلفظ: «المصلحة»([4])، وتحقيقها هي: «غايةُ الحُكم المطلوبةُ بشَرْعِه، كحفظ الأنفس والأموال بشرع القَوَد والقطع»([5]).

نعلم بهذا أن المقصود بالبحث في «حكمة الدين»، أو «حكمة التشريع»؛ معرفة الأسباب والعلل المقصودة من وضع التشريع، والغايات التي يراد بلوغها وتحقيقها. وهذا البحث قد يكون بالنظر إلى «الدين» كله، باعتباره نظامًا كليًّا جامعًا، أو بالنظر إلى الأحكام التفصيلية له، سواء في باب العبادات أو باب المعاملات.


([1]) «معجم مقاييس اللغة»، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر: 1979م، 2/91.

([2]) قاله الآمدي في «الإحكام في أصول الأحكام» تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت، 3/203، 230.

([3]) «البحر المحيط» للزركشي (ت: 794)، دار الكتبي، 1414، 8/210.

([4]) «المحصول» للرازي (ت: 606)، تحقيق: طه العلواني، مؤسسة الرسالة، بيروت: 1418، 5/446، «نفائس الأصول في شرح المحصول» للقرافي (ت: 684)، مكتبة الباز، 1416، 9/3744، «نهاية السول شرح منهاج الوصول» للإسنوي (ت: 772)، دار الكتب العلمية، بيروت: 1420، 1/389.

([5]) «شرح مختصر الروضة» للطوفي (ت: 716)، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت: 1407، 3/386.

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©