حقيقة عقيدة التوحيد عند القرضاوي



 

 

نص التغريدة:

كتب الدكتور يوسف القرضاوي على حسابه الرسمي في (تويتر) بتاريخ: 22/10/2018، ما نصه:

(عقيدة التوحيد في حقيقتها ما هي إلا ثورة لتحقيق الحرية والمساواة والأخوة للبشر،

حتى لا يتخذ بعض الناس بعضًا أربابًا من دون الله، وتبطل عبودية الإنسان للإنسان).

التعليق:

1ـ هذا الكلام الصريح القاطع تحريفٌ جذريٌّ لحقيقة (عقيدة التوحيد) التي بُعث بها محمد صلى الله عليه وسلم، حيث جعل القرضاوي غايتها في (الثورة لتحقيق الحرية والمساواة والأخوة للبشر). والقرضاوي يعلم أن الاستثناء بعد النفي يفيد الحصر كما في كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله)، فقوله هنا: (ما هي إلا ثورة)، قاطع بأن الغاية الوحيدة لعقيدة التوحيد منحصرة قطعًا في هذه الغاية، وهي (الثورة لتحقيق الحرية والمساواة والأخوة للبشر...).

2- هذه الغاية التي زعم القرضاوي أنها غاية (عقيدة التوحيد)، وحصر الغاية فيها؛ لا أصل لها في عقيدة الإسلام إلا من باب اللوازم والنتائج والثمار، فإقامة عقيدة التوحيد من لوازمها الضرورية أن (لا يتخذ بعض الناس بعضًا أربابًا من دون الله)، ومن ثمارها ونتائجها الطيبة أنها (نبطل عبودية الإنسان للإنسان).

إذن ما هي الغاية الحقيقة من (عقيدة التوحيد)؟ إنها واضحة صريحة في القرآن والسنة، وهي إقامة حق الله تعالى بعبادته وطاعته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا بالله شيئًا). لهذا كان الإخلال بهذا الحق المتعلق بالله رب العالمين أعظم الذنوب وأقبحها، كما قال تعالى في سورة النساء (48): {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}، وفي الآية (116): {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}، وهذا الذي هو سبب الحرمان من المغفرة، وهو الافتراء العظيم، والضلال البعيد، ليس لتعلقه بحق الإنسان على الإنسان، بل لتعلقه بحق الخالق العظيم على الإنسان الفقير الضعيف، أما الحقوق بين بني آدم، فمهما كانت محترمة ومعظمة في الشريعة الإسلامية، فإنها لا تتجاوز حد كبائر الذنوب، إلا إذا اقترن بالاستحلال لما حرمه الله تعالى من الدماء والأموال والأعراض، فتكون عقوبته الخلود في النار، لأن الاستحلال تكذيب لخبر الله تعالى وحكمه، فرجع الأمر إلى تعظيم حق الله تعالى.

وقال عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام لبني إسرائيل: {اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [سورة المائدة: 72].

4- إن هذا التفسير لعقيدة التوحيد عند القرضاوي يرجع ـ في حقيقته ـ إلى تفسير غلاة الفلاسفة كالفارابي وابن سينا لحقيقة العقيدة الإسلامية والوحي الإلهي والنبوة المحمدية. لهذا قد لا ينتبه كثير من الناس لمغزى هذا الكلام وخطورته إلا بعد دراسة مفهوم تفسير الإسلام ووجوه الانحراف فيه قديمًا وحديثًا.

5ـ يوجد لكثير من المفكرين الإسلاميين المعاصرين كلام مماثل ومشابه لكلام القرضاوي هذا، حيث يعللون سبب بدأ الرسل عليهم الصلاة والسلام بدعوة التوحيد ومحاربة الشرك؛ أنها لتحطيم منظومة الأسس التي قامت عليها الطبقية والظلم، فهي (أي دعوتهم واهتمامهم) من باب الوسائل. هذا الأمر يحتاج إلى تتبع ورصد، ولعل هذا التصريح من القرضاوي يعين الباحثين على فهم الفكرة بوضوح، والانتباه إليها في ثنايا كلام الإسلاميين الحركيين.

 

 

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©