الخشوع وهرمون الإندروفين



نص المنشور:

هل تعلم عندما تصل لدرجة الخشوع في الصلاة يفرز الجسم هرمون الإندروفين والذي يعادل - 6 - حبات مورفين. هذا الهرمون يعالج ... (الاكتئاب)! ويكفي قول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: أرحنا بها يا بلال.

سبحانك ربي اللهم ارزقنا لذة الخشوع في الصلاة واجعلنا ممن يصلي ليرتاح بها لا ليرتاح منها.

التعليق

1- إن تشريع العبادات لم يكن ابتداءً وقصدًا لأجل الرَّاحة النفسية في الدنيا والشعور بالسعادة العاجلة ـ وإن كان هذا يوجد كفائدة من فوائد العبادات ـ لكن ليست هي الأصل والمراد، وإلَّا لم يكن فرق بين العبادات في الإسلام والعبادات في غيره من الأديان، لأن هذا الهرمون ـ إن صحت التجارب ـ يفرز عند الشعور بالطمأنينة والراحة حتى عند النوم والجماع!، فلا اختصاص له بالعبادات فضلًا أن يكون دعايةً لترغيب الناس بالدين، والأصل أن تتميز دعوة الإسلام عن غيره، وذلك بإظهار خصائصه وأنه حقيقةً علاقةٌ بين العبد وربه غايتها تعظيم الرب والتذلل بين يديه للفوز بالجنة والدار الآخرة.

2- ترغيب الناس بالدين بتصدير مثل هذه المعلومات التجريبية التي تخضع اليوم للإثبات وغدًا للنقض، يؤدي إلى زعزعة ثقة الناس بدينها وعباداتها.

3- الخشوع المأمور به والمرغب فيه، ليس هو مطلق الخشوع أو مطلق الشعور بالطمأنينة، لأن هذا قد يحدث من الكافر والفاجر والفاسق الذين ركنوا للحياة الدنيا فطمأنوا بها، فكان مصيرهم كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [يونس: 7، 8]، بينما يقول تعالى في حق المؤمنين: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) } [الرعد: 28]، وكلا الفريقين قد يفرز عنده هذا الهرمون، فتأمل؟!

4- إن منفعة الخشوع الحقيقية ليست بوجود هذا الهرمون أو عدم وجوده، بل منفعته في تحقيقه على الوجه الذي يحبه الله تعالى، وهو المراد من حديث: أرحنا بها يا بلال، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره: «والخشوع في الصلاة: هو حضور القلب بين يدي الله تعالى، مستحضرًا لقربه، فيسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته، ويقل التفاته، متأدبًا بين يدي ربه، مستحضرًا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته، من أول صلاته إلى آخرها، فتنتفي بذلك الوساوس والأفكار الردية، وهذا روح الصلاة، والمقصود منها، وهو الذي يكتب للعبد، فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب، وإن كانت مجزئة مثابًا عليها، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها». تيسير الكريم الرحمن (ص: 547).

5- لا شك أن الله عز وجل شرع العبادات مناسبةً لما خلقنا الله عليه، وهو الشيء الذي يؤكد أن الشريعة لا تكليف فيها بما لا يطاق، بل كان من رحمة الله أن يسَّر وجود أسبابٍ تنشأ بسبب العبادات تعين وتحث على ديمومة العبادة والاستمرار عليها وهذا من رحمة الله وفضله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96].

أخيرًا: لا مانع أن يلجأ المسلم إلى الله بالتضرع له من خلال الصلاة والسجود والدعاء إذا أصابه قلق واضطراب أو اكتئاب، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى، وهذا من تمام التوكل على الله، وأنه وحده من يكشف الضر ويرفع البلاء، ولكن هذا يكون أحيانًا لأسباب عارضة، ثم على المسلم أن يعلم أن هذا ليس هو علة الخشوع المأمور به، وليس هو الغاية من الصلاة والسجود، وإنما الغاية والمقصد من كل العبادات قلبيةً كانت أو عملية هو: تعظيم الله والتقرب إليه بالحب والخوف والرجاء لنيل رضاه والفوز بدار الخلود والنعيم.

والله أعلم

راجع للمزيد:

- (مذاهب الناس في منفعة العبادة وحكمتها).

- (السجود والتفكير الجيد).

- (ترغيب الناس بالسجود بتعظيم فوائده الدنيوية).

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©