هل دعا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لتجديد نظام المناعة؟!



نص المنشور:

في هذا المقطع ترويج للفوائد الصحية بصيام ثلاثة أيام من كل شهر لرفع قوة الجهاز المناعي في الجسد ليصبح عنده قدرة قوية على مواجهة الفيروسات والأمراض، ودعم هذا الكلام بسرد دراسات حديثة أثبتت ذلك طبيًّا، وقد تضمن المقطع عدة ادعاءات وتساؤلات تقريرية، تحتاج لإعادة نظر وتعليق، منها تساؤله: هل غفل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن هذه الحقيقة الطبية؟، ومنها ادعاؤه أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دعا لتجديد نظام المناعة ليبقى الجسد قويًا، ومنها تساؤله: كيف علم النبي هذه الحقيقة؟ ولماذا تكلم عن حقائق طبيَّة لم تكتشف إلا الآن؟، ثم رتب على ذلك أن هذه الدراسات شاهدة على صدق رسالة الإسلام.

https://m.facebook.com/story.php          

تنبيه مهم:

ابتداءً وقبل التعليق على هذه الادعاءات والتساؤلات، يجب أن نبيِّن أنَّ من صام بهذه النية ولأجل تحصيل هذا الغرض فقط فإن صيامه غير مقبول ولا يصح، فقد بوَّب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في «كتاب التوحيد»: «باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا»، ثم أورد قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)} [هود]، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في « القول السديد شرح كتاب التوحيد»، [طبعة الوزارة (ص: 147)] معلقًا على هذا الباب: «اعلم أن الإخلاص لله أساس الدين، وروح التوحيد والعبادة، وهو أن يقصد العبد بعمله كله وجه الله وثوابه وفضله، فيقوم بأصول الإيمان الستة وشرائع الإسلام الخمس، وحقائق الإيمان التي هي الإحسان، وبحقوق الله، وحقوق عباده، مكملًا لها قاصدًا بها وجه الله والدار الآخرة، لا يريد بذلك رياء ولا سمعة ولا رياسة ولا دنيا، وبذلك يتم إيمانه وتوحيده، ومن أعظم ما ينافي هذا مراءاة الناس والعمل لأجل مدحهم وتعظيمهم، أو العمل لأجل الدنيا، فهذا يقدح في الإخلاص والتوحيد»، وقال أيضًا: «وأما العمل لأجل الدنيا وتحصيل أغراضها: فإن كانت إرادة العبد كلها لهذا القصد، ولم يكن له إرادة لوجه الله والدار الآخرة، فهذا ليس له في الآخرة من نصيب. وهذا العمل على هذا الوصف لا يصدر من مؤمن، فان المؤمن ولو كان ضعيف الإيمان، لا بد أن يريد الله والدار الآخرة».

التعليق:

1- تساؤله: هل غفل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن هذه الحقائق؟

أقول: هذا من التلاعب بالألفاظ! وتصدير السؤال بـ «هل غفل» ليصاب القارئ بدهشة ويقول: معاذ الله أن يصاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالغفلة وهو إمام الذاكرين لله تعالى. فالجواب أن يقال: لم يغفل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن هذه الحقيقة!!، ولكن الصحيح أنّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يبعث لتقرير الحقائق الطبية أصالةً، بل بُعث لهداية الناس لربهم مخرجًا لهم من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، معلمًا ومربيًّا وشاهدًا على وحدانية الله، مبشرًا لهم بالجنة ومنذرًا لهم من العذاب، قال تعالى: {رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الطلاق: 11]، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)} [الأحزاب]، وقال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة]، بل صح عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، ولا يلزم ـ إن كان في العبادات بعض الفوائد الصحية ـ أن يكون النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عَلِمَها، لأنَّها لم تشرع أصالة لهذا الغرض، بل مقصودها الشرعي أصالة التعبد والتذلل بين يدي الله وتعظيمه ومحبته والخضوع له سبحانه.

2- أما جزمه بأن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دعا لتجديد جهاز المناعة بصيام ثلاثة أيام من كل شهر!!، فهي دعوى لا برهان عليها، بل هي محض تكهُّن وتخمين، والله يقول: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111]، وهذا الادعاء لا يتأتى إلا على مذهب القائلين بالتفسير النفعي للدين، فتجد هؤلاء القوم مندفعين جازمين بمراد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم النفعي، إذا لاح لهم سراب بعيد من دراسة أشارت لفائدة دنيوية من فوائد العبادات، وما ذلك إلا لضعف علمهم بحقائق الإيمان علمًا وعملًا وتأصيلًا، فيُعظِّمون هذه الفوائد على حساب المقصد الأساس من العبادات، ويجزمون بأن الشرع أراده وقصده.

3- وأما تساؤله عن كيفية علم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بهذه الحقيقة؟، ولماذا لم تكتشف إلا الآن؟، زعم ـ هداه الله ـ أن هذا جاء للشهادة على صحة دين الإسلام. فهذا ـ مع ما فيه ـ فهو تجهيل صريح لعلماء الأمة من صدر الإسلام وحتى يوم الناس هذا حيث لم يُدركوا مراد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من الحث على صيام ثلاثة أيام من كل شهر! ونحن في هذا العصر بفضل تلك الدراسات علمنا مراده!!، إن مجرد تَصوُّر هذا الكلام كافي في رده وتسفيه قائله، فكيف إن علمنا حقيقة دعوة الدين والمقصود الحقيقي من العبادات، وأنّ كلَّ ما علمناه من فوائد العبادات المادية الصحية وغيرها، إنما هو ـ إن صح ـ دالٌّ على فضل الله ورحمته بعباده، وليس شيءٌ منها هو المقصود الأساس من العبادات كما مر تقريره. والله أعلم.

راجع للمزيد:

- (المقاصد الكبرى للصيام).

- (نقض التفسير النفعي للصيام).

- (المقصود من الصيام للشيخ ابن عثيمين).

- (الصيام وحفظ المناعة).

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©