المداومة على العبادة والراحة النفسية



نص المنشور:

هل تعلم أن انقطاعك عن العبادات والصلاة قد يحرمك من الراحة النفسية في الحياة، وهذا الأمر مؤكد بدراسات تحليلية في علم النفس، فالإنسان المؤمن بطبيعته يحتاج لسد حاجاته الروحية، لذلك المداومة في أداء العبادة والصلاة تساعده في التخلص من القلق وتجلب له الراحة.

التعليق:

1- شرع الله العبادات لنتقرب إليه ولنحقق الغاية التي من أجلها خلقنا ألا وهي تعظيمه وتمجيده، فالعبادات ـ في نفسها ـ هي الغاية من خلق الإنسان، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات].

2- الراحة النفسية والصحة الجسدية وكل المنافع الدنيوية، إنما هي فوائد وثمرات للعبادات، جعلها الله - برحمته - من المحفزات على الثبات والمداومة، وليست غايات تطلب العبادات لأجلها.

3- كلمة «الراحة النفسية»، دخل فيها إجمالٌ عند كثيرٍ ممن يستخدمها ويجعلها غاية من التعبد ومن الطاعة، والصحيح أنّ الراحة النفسية إن كان المراد بها الطمأنينة بالله، بالتوكل عليه والرضى به وبقضائه وقدره والعمل بمرضاته واليقين بوعده، فلا شك أنَّ هذه الراحة النفسية غاية تطلب ولأجلها شرعت العبادات، فهي داخلة في قوله تعالى، {أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد]، وهي السكينة التي تنزل على المؤمنين، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَللهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)} [الفتح].

وإن كان المراد بها مجرد هدوء النفس وعدم القلق والاكتئاب، وعدم الاضطراب في المزاج وغير ذلك، فهذه لا تعدو أن تكون من الثمرات والفوائد الناتجة عن تحقيق الغاية الحقيقية من العبادة، وإلا فإن كثير ممن هم على عقائد باطلة بل وكفرية، يجدون الراحة النفسية وهم راضون بما هم عليه من الباطل، وهذا كله من تسويل النفس وتغرير الشيطان، فليس كل من وجد راحة نفسية دنيوية في عبادته وتدينه فقد حقق المطلوب، وإنما النظر في أمرين أساسين لا يقبل الله عبادة عابدٍ إلا بهما وهما الإخلاص والمتابعة.

4- سد الحاجات الروحية مطلوبة، لأنَّ الانسان مخلوقٌ ضعيف فقير يشعر دائمًا بالحاجة إلى من يقوي ضعفه ويسد فقره، والفطرة إذا سلمت من الانحراف فلن ترشد الإنسان إلا إلى الله، فهو الوحيد القادر على ذلك، لأنه الغني بنفسه القوي بنفسه، وكل ما عداه فقير بالذات عاجز بالذات، وقد جعل هذا المنشور سد الحاجات الروحية خاص بالإنسان المؤمن، فلذلك أحتاج للعبادات لأنه مؤمن بطبيعته!! ولازم ذلك أنَّ غير المؤمن الذي لا يشعر بالقلق والاضطراب النفسي فليس في العبادات بالنسبة له فائدة، وهذا يؤكد ما بيناه سابقًا أنَّ الراحة النفسية التي يجعلها الكثيرون من فوائد العبادات، إنما يريدون بها المنافع الدنيوية وحسب، فلذلك جعلوها للمتدين بطبعه، وأما غير المتدين فراحته بحسب ما تميل إليه نفسه!! وفي هذا قلب للحقائق وجعل الوسائل غايات والغايات وسائل، والصحيح أن الناس جميعًا مطالبون بالعبادة، وأنَّه لا صلاح للإنسان في الدنيا والآخرة إلا بعبادة ربه، وأنَّ الراحة النفسية ـ بالمعنى الشرعي الصحيح ـ لا تتحقق لأحدٍ إلا للمؤمن. وأمَّا من ليس بمؤمن، فإنَّ ما يشعر به من راحة نفسية وهمية، إنما هو: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)} [النور].

5- الناس يتفاوتون تفاوتًا عظيمًا في قدراتهم العقلية والنفسية والجسدية، وفي تحملهم للمصاعب والآلام والأوجاع، وفي صبرهم على الصدمات والفواجع. هذا التفاوت من تقدير الله تعالى، ومن حكمته البالغة في جعل الناس على مراتب متفاوتة ليحصل الابتلاء والامتحان في هذه الدار، قال الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)} [الزخرف].

من هنا: فإن كون المسلم ملازمًا للعبادات، قائمًا بالطاعات، مداومًا على الأعمال الصالحة؛ لا يمنع أن يصاب بالأمراض والأسقام ابتلاء من الله تعالى، وامتحانًا وتكفيرًا للخطايا، ورفعًا للدرجات، ومن هذه الأمراض: الأمراض النفسية، والقلق، والاضطراب النفسي، والصرع، ومس الجنِّ، والسحر، وغير ذلك مما يسبب ضيق الصدر، وقلق النفس، والكآبة والحزن، وضعف الإرادة والقدرة. كل هذه الأحوال الإنسانية يشترك فيها الموحد والمشرك، والعابد والفاجر، والصالح والطالح، لكن المؤمن يتوكل على الله ويستعين بالله، ويجعل ما أصابه بابًا من أبواب احتساب الأجر والتقرب إلى الله، فالمؤمن دائمًا فيه خير، وهو على خيرٍ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٍ، احرص على ما ينفعك، واستعنْ بالله، ولا تعجزْ، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا. ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل. فإنَّ لَوْ تفتح عمل الشيطان» أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلَّا للمؤمن؛ إنْ أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له». أخرجه مسلم من حديث صهيب رضي الله عنه.

6- لهذا نقول: إن ما يبثه في الناس دعاةُ التنمية البشرية والدورات التدريبية وأدعياء الطاقة والروحانية من أن كل ما فيهم من خلل وعيب ونقص وعجز إنما هو من فعلهم واختيارهم، ويستطيعون التغلب عليها بهذه الأساليب الحديثة، ويجعلون عمدة ذلك الثقة بالنفس واستحضار الطاقة الإيجابية وطرد الطاقة السلبية، حتى سمعنا أحد أكابرهم يخبر عن نفسه أنه أجاب شخصًا شكى إليه مرضًا أصابه، فقال له: «أنتَ لماذا قرَّرتَ أن تمرضْ؟!»... كلُّ هذا من النزعة الإلحادية المادية، ومن التنكب عن صراط الله المستقيم وهديه القويم. ثم إن فيه غشًّا وخداعًا لبسطاء الناس بإيهامهم أن تلك الفروقات العقلية والنفسية والجسدية التي خلقهم الله تعالى عليها، وابتلاهم بها؛ يمكن القضاء عليها، وتجاوز آثارها، والتحكم فيها. هؤلاء في الحقيقة خالفوا الشرع، وكذبوا بالحقائق، وكابروا في الإذعان للواقع الذي يعيشه الإنسان ويكابده بمجرد أن يخرج من جلسات دوراتهم التدربيبة الخادعة، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وله الحمد لله في الأولى والآخرة.

راجع للمزيد:

- مذاهب الناس في منفعة العبادة وحكمتها.

- الدعاء والقلق النفسي.

- هل هدف الرسالة هو إصلاح الأخلاق؟.

- كونوا جيدين وحسب!!.

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©