التَّقلُّل من الدنيا والظلم الاجتماعي



نص المنشور:             

قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله:

«كل دعوة تحبب الفقر إلى الناس، أو ترضيهم بالدون من العيشة، أو تقنعهم بالهون في الحياة، أو تصبرهم الى قبول البخس، والرضا بالدنية فهي دعوة فاجرة، يراد بها التمكين للظلم الاجتماعي، وإرهاق الجماهير الكادحة في خدمة فرد أو أفراد. وهي قبل ذلك كله كذب على الإسلام وافتراء على الله». من كتاب «الإسلام المفترى عليه» 56.

التعليق:

1- في هذا الكلام مصادمة ظاهرة لكل النصوص المرغبة بالتّقلُّل من الدنيا وجمع حطامها، لما في ذلك من الانشغال عن الآخرة وتشتيت الهم، والقصد من خلق الإنس والجن أن يكون همهم همّ الآخرة، وهذا كاف في سقوط هذا التعميم بَلْه الحكم، والتعليل بالظلم الاجتماعي إنما هو رأي مقابل النص ولا عبرة به باتفاق العلماء.

2- الظلم بكل أنواعه مرفوض ولا يحل، كيف والله مالك الملك حرمه على نفسه، فالظلم من العباد أولى بالتحريم، لكن مصطلح الظلم الاجتماعي يراد به: أن مجرد وجود طبقات في المجتمع من غني وفقير وقوي وضعيف ومالك ومملوك، هو ظلم في حق الطبقات الدنيا، ويجب أن يكون جميع الناس طبقة واحدة لا فرق بينهم، وهذه من الأفكار الخيالية التي نادت بها الاشتراكية الماركسية جهلًا منها في حكمة الله في الخلق والابتلاء.

3- وجود طبقات في المجتمع لا يلزم منه الظلم، فالظلم محرم كما مر، وكل أحد مأمور بالعدل في نفسه وما ولي، والله عز وجل له حكمة بل حِكم في اختلاف الناس وتسخير بعضهم لبعض وجعلهم درجات متفاوتة قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32]. من أهم تلك الحكم عبادة الشكر والصبر فالغني يعبد الله في شكره على نعمه والفقير يعبد الله في صبره على قضائه، وكلٌّ من الشكر والصبر من العبادات الجليلة التي جعلت الدنيا وما فيها وسيلة لتحققها وظهورها، فالإنسان في جميع أحواله يجب أن يكون إما صابرًا وإما شاكرًا والله خلق الخلق لعبادته فهي الغاية المقصودة والنهاية المنشودة.

4- فكرة أن (الغاية من خلق الانسان عمارة الدنيا واصلاحها) قد تسللت ـ للأسف ـ عند كثير من المفكرين الإسلاميين، وكان لها حضور فعَّال في كثير من كتاباتهم خصوصًا في كتابات المودودي وسيد قطب، وأصلها عن الفلاسفة من أمثال ابن سينا والفارابي من الملاحدة الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويرون أن الشرائع هدفها اصلاح المجتمع وسياسة الناس فقط، فأخذ الإسلاميون منهم هذه الفكرة ـ وإن خالفوهم في أصل الايمان بالله واليوم الآخر ـ فظهر مصطلح التفسير السياسي والنفعي للدين المصادم لحقيقة التفسير الصحيح للإسلام في جعل العبودية لله هي الغاية من خلق الإنس والجن، وأن اصلاح المجتمع وعمارة الدنيا هي وسيلة مطلوبة بقدر تحقيق تلك الغاية، والله أعلم.

راجع للمزيد:

-(حقيقة عقيدة التوحيد عن القرضاوي).

-(الاستخلاف هو عمارة الأرض).

-(مذاهب الناس في منفعة العبادة وحكمتها).

-(هل جاء الدين لتنظيم الحياة وعمارة الأرض).

-(الإسلام صالح لكل زمان ومكان).

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©