الدكتور حسام موافي وتقديم جبر الخواطر على أركان الإسلام



نص المنشور:

اشتهرت بين الناس هذه القصة التي يرويها الطبيب حسام موافي أن أحد المشايخ اختبره بسؤاله عن أعظم العبادات فأجابه الدكتور بفطرته وذكر له الصلاة والصيام وغيرها من أركان الإسلام، وكل ذلك والشيخ يقول: لا، فلما عجز عن الإجابة، أجابه الشيخ بأن أعظم عبادة هي جبر الخواطر ـ أي مساعدة الآخرين وإعانة المحتاجين ـ، واستدل على ذلك بقوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)} [الماعون]، والشاهد منها تأخير ذكر الصلاة عن ذكر دفع اليتيم وعدم اطعام المساكين، ثم ذكر ذلك الشيخ أن القرآن كله في جبر الخواطر، ثم استطرد الطبيب وهو يحكي هذه القصة وذكر مؤيدًا لفكرة ذلك الشيخ أنَّ تحويل القبلة كان جبرًا لخاطر النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، ثم ذكر قصة حدثت معه وكيف أنقذه الله من الموت بسبب جبره لخاطر مريض في يوم استراحته.

التعليق:

1- لقد انتشرت هذه القصة انتشارًا كبيرًا جدًّا، ورددها كثير من الخطباء والوعاظ ودعاة الفضائيات، وذلك لحب الناس للقصص المثيرة للعواطف والأحاسيس، وإن لم تكن مؤسسة على عقيدة صحيحة، وقواعد شرعية سليمة. ثم إن كثيرًا منهم نسب القصة إلى الشيخ محمد متولي الشعراوي. وقد كذب الدكتور حسام موافي ـ وهو صاحب القصة ـ نسبتها إلى الشعراوي، ورفض الإفصاح عن اسم الشيخ الذي ذكر له هذه المسألة، فالله أعلم به وبمكانته في العلم والفقه.

2- لا ريب أنَّ إعانة المحتاجين وجبر خواطرهم له أهمية ومكانة في الشريعة، وجاءت نصوص عديدة تحض على ذلك  كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)} [البقرة] وغيرها كثير، فالعدول عن هذه النصوص الصريحة في المسألة إلى نصوص ليست في قوة دلالتها كتلك في هذا المقطع، إنما كان لزرع عقيدة جديدة وتغيير في عقائد الناس وفطرتهم الصحيحة، وربما كان عن حسن نية من غير قصد ولا إدراك لأبعاد هذا الأمر الخطير، لكنه بلا شك تحريف للدين وقلب للحقائق وتغيير لأركان الإسلام.

3- الآية التي استدلَّ بها ذلك الشيخ على تقديم جبر الخواطر على الصلاة والصيام، إنما تدل على نقيض ما قصده، وهذه سنة وعادة في من يحاول تحريف الدين بقصد أو بغير قصد ويستدل على ذلك من الكتاب والسنة فلا بد أن يكون الدليل الذي استدلَّ به دالٌّ على عكس مراده وهذا من حفظ الله لكتابه ودينه، فالآية تتكلم عن الكافر الذي لا يراعي حق الله ولا حق عباده، فكذب بدينه وشرعه ودخل في ذلك كل العبادات من أركان الإيمان والإسلام، ولم يراعي حق عباده في الإحسان إليهم فجمع الشر كله، وأما قوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)} [الماعون]، فهذه جملة  استئنافية جديدة تتضمن حكمًا آخر، فيه الوعيد الشديد بالهلاك للمصلين الذين يتعمدون تأخير الصلاة عن وقتها، فأين بعد هذا البيان الواضح تأخير مرتبة الصلاة عن جبر الخواطر بله جعله أعظم العبادات؟!!.

4- التفسير النفعي للدين ـ الذي يقدِّم العلاقات الأخلاقية من الإحسان للأخرين ومساعدة المحتاجين على العبادات الشرعية، بل وتحريف لمعاني العبادات بجعلها ذات أهداف أخلاقية دنيوية وحسب والذي كان من أكبر دعاته الملاحدة من الفلاسفة أمثال ابن سينا والفارابي وغيرهم، وتبعهم جماعات من الحركيين على هذا الأصل ـ ظاهرٌ جدًا في هذا المقطع الذي لم يعتبر الصلاة والصيام من أعظم العبادات وقدم عليها غيرها، ثم جاء الدكتور وخرَّج على تأصيل ذلك الشيخ تفسيرًا غريبًا لم يسبق إليه أحد، وجعل تحويل القبلة لجبر خاطر النبي صلى الله عليه وسلم ورضاه، مع أن الله نصَّ على العلة في تركهم على القبلة السابقة ثم تغيرها بقوله: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143]، فكان التحويل اختبارًا لمتابعة المسلمين لنبيهم وعدم الاعتراض على أمر الله، ولمعرفة من يرتدَّ فلا يكون إيمانه صحيحًا ومتابعته تامة، فلا يصح العدول عن العلة المنصوصة الصحيحة في تحويل القبلة إلى القول بأنَّ ذلك كان لأجل رضى النبي وجبرًا لخاطره. والقبلة الأولى لم تكن من شرع الله أصلًا، قال شيخ الإسلام: «وأما ما بُدِّل بعد المسيح، مثل: استحلال لحم الخنزير، وغيره مما حرَّمه الله ولم يبحه المسيح، ومثلُ: إسقاط الخِتان، ومثلُ: الصَّلاة إلى الشَّرق، واتخاذِ الصُّور في الكنائس، وتعظيم الصَّليب، واتباع الرَّهْبانيَّة، فإن هذه كلَّها شرائعُ لم يشرعها نبيٌّ من الأنبياء، لا المسيحُ ولا غيرُه، خالفوا بها شرع الله الذي بَعَثَ به الأنبياء من غير أن يشرعها الله على لسان نبي». «الجوابُ الصَّحيحُ لمن بدَّل دين المسِيح» 3/ 18. ط. مركز التأصيل.

فلما جاء الإسلام، أقرَّها فترة من الزمن ثم حوّلت إلى الكعبة، فتشوُّقُ النبي صلى الله عليه وسلم لجعل الكعبة هي القبلة، كان لسابق علمه بأنها هي القبلة التي يحبها الله ويرضها فكان رضاه عليه الصلاة والسلام تابعًا لرضى الله تعالى فهو يرضى عمَّا يُرضي الله، ولذلك كان يقلب وجهه في السماء ينتظر الأمر بالتحويل.

5- كيف يُجعل الإحسان للآخرين أعظم العبادات ومقدمة على الصلاة والصيام، والوعيد الذي جاء في ترك هذه الأركان لم يأت مثله في غيره من الأوامر الشرعية ما عدا التوحيد فلا يغفر الله لمشرك أبدًا، وليس هذا إلا غفلة عن المقصود الصحيح من خلق الانسان وعن المراد الحقيقي من التكليف، ألا وهو عبادة الله التي تتضمن كمال الحب والخضوع والذل لعظمته سبحانه، وأنَّ غاية سعي الساعين وعمل المصلحين، إنما يجب أن يكون لتحقيق هذا الغرض الذي يحبه الله ويرضاه وهو حقه علينا ولأجله خلقنا، فجبر خواطر المحتاجين إن لم يكن لأجل ذلك، وإلا هو عمل لأجل إرضاء النفس وتحصيل المقابل الدنيوي وجذب حب الأخرين فالنفس مجبولة على حب من أحسن إليها، والشريعة جاءت لتوجيه النفس إلى ما ينفعها، ولا ينفعها إلا أن تعمل لرضى ربها. والله أعلم.

[ اضغط هنا لتحميل المقال منسقاً بي دي اف ]

راجع للمزيد:

- مذاهب الناس في منفعة العبادة وحكمتها.

- ترغيب الناس بالسجود بتعظيم فوائده الدنيوية.

- العبادة والصحة الجسدية.

- هل جاء الدين لتنظيم الحياة وعمارة الأرض.

- التَّقلُّل من الدنيا والظلم الاجتماعي.

- الاستغفار ومصالح الدنيا معادلة رياضية.

- هل هدف الرسالة هو إصلاح الأخلاق؟.

جميع الحقوق محفوظة لدى موقع دراسات تفسير الإسلام ©